فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فروق لغوية دقيقة:

.الفرق بين الكفر والإلحاد:

أن الكفر اسم يقع على ضروب من الذنوب فمنها الشرك بالله ومنها الجحد للنبوة ومنها استحلال ما حرم الله، وهو راجع إلى جحد النبوة وغير ذلك مما يطول الكلام فيه.
وأصله التغطية، والإلحاد اسم خص به اعتقاد نفي التقديم مع إظهار الإسلام وليس ذلك كفر الإلحاد ألا ترى أن اليهودي لا يسمى ملحدا وإن كان كافرا وكذلك النصراني.
وأصل الإلحاد الميل ومنه سمي اللحد لأنه يحفر في جانب القبر.

.الفرق بين الكفر والشرك:

أن الكفر خصال كثيرة على ما ذكرنا وكل خصلة منها تضاد خصلة من الإيمان؛ لأن العبد إذا فعل خصلة من الكفر فقد ضيع خصلة من الإيمان، والشرك خصلة واحدة وهو إيجاد آلهة مع الله أو دون الله واشتقاقه ينبئ عن هذا المعنى ثم كثر حتى قيل لكل كفر شرك على وجه التعظيم له والمبالغة في صفته وأصله كفر النعمة لتضييعة حقوق الله وما يجب عليه من شكر نعمة فهو بمنزلة الكافر لها ونقيض الشرك في الحقيقة الإخلاص ثم لما استعمل في كل كفر صار نقيض الإيمان، ولا يجوز أن يطلق اسم الكفر إلا لمن كان بمنزلة الجاحد لنعم الله وذلك لعظم ما معه من المعصية وهو اسم شرعي كما أن الايمان اسم شرعي. اهـ.

.تفسير الآية رقم (163):

قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان المراد أن الوحدة معتبرة في نفس الأمر في الإله الحق، فلا يصح أصلًا أن يكون الإله الحق منقسمًا بالنوع ولا بالشخص ولا بالوصف ولا بالفعل ولا بغير ذلك بوجه من الوجوه أعاد لفظ الإله فقال: {إله واحد} أي لا ينقسم بوجه من الوجوه لا بمجانسة ولا بغيرها وهو مع ذلك {لا إله إلا هو} فهذا تقرير للوحدانية بنفي غيره وإثباته فلا يصح بوجه ولا يمكن في عقل أن يصلح للإلهية غيره أصلًا فلا يستحق العبادة إلا هو لأنه {الرحمن} أي العام الرحمة بالنعم الزائلة لأوليائه وأعدائه {الرحيم} أي المخصص بالنعم الباقية لأوليائه، فثبت بالتفرد بالألوهية أنه حائز بجميع العظمة وبيده مجامع الكبرياء والقهر، وبوصفي الرحمة أنه مفيض لجلائل النعم ودقائقها فكل ما سواه إما نعمة أو منعم عليه، فهو المخشي سطوته المرجو رحمته يغفر لمن يشاء ويلعن من كفر ويخلده في العذاب من غير أن يقدر غيره أن يعترض عليه في شيء من ذلك؛ ولا يبعد عندي وإن بعد المدى أن تكون الواو في قوله: {وإلهكم} عاطفة على قوله في أوائل السورة {وهو بكل شيء عليم} [البقرة: 29] قبل قوله: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: 30] فإن التوحيد هو المقصود بالذات وعنه تنشأ جميع العبادات، فلما قال أولًا {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] أتبعه في قوله: {الذي خلقكم} [البقرة: 21] إلى آخره بوصف هو دليل استحقاقه للعبادة، فلما قام الدليل قال: {فلا تجعلوا لله أندادًا} [البقرة: 22] إعلامًا بأنه لا شريك له في العبادة كما أنه قد تبين أنه لا شريك له في الخلق، ثم أتبعه بما يليق لذلك المقام مما تقدم التنبيه عليه، ثم رجع إليه قائلًا ثانيًا {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم} [البقرة: 28] إلى آخرها فأعاد الدليل على وجه أبين من الأول وأبسط، فلما تقرر على وجه لا مطعن فيه أمر الوحدانية والإعادة كان الأنسب ما أولاه من الآيات السابقة لما ذكر فيها من غير ذلك من المهمات إلى أن صار إلى ذكر الكاتمين والتائبين والمصرين وذكر ما أعد لكل من الجزاء فأتبع ذلك هذه الآية عاطفًا لها على ما ذكرته على وجه أصرح مما تقدم في إثبات التوحيد بيانًا لما هو الحق وإشارة إلى أنه تعالى ليس كملوك الدنيا الذين قد يحول بينهم وبين إثابة بعض الطائعين وعقوبة بعض العاصين بعض أتباعهم، فإنه واحد لا كفؤ له بل ولا مداني فلا مانع لنفوذ أمره؛ ولا يستنكر تجويز هذا العطف لأنه جرت عادة البلغاء أن أحدهم إذا أراد إقامة الحج على شيء لأمر يرتبه عليه أن يبدأ بدليل كاف ثم يتبعه تقريب الثمرات المجتناة منه ثم يعود إلى تأكيده على وجه آخر لتأنس به النفوس وتسرّ به القلوب، وربما كان الدليل طويل الذيول كثير الشعب، فيشرح كل ما يحتاج إليه من ذيوله وما يستتبعه من شعبه، فإذا استوفى ذلك ورأى أن الخصم لم يصل إلى غاية الإذعان أعاد له الدليل على وجه آخر عاطفًا له على الوجوه الأول تذكيرًا بما ليس بمستنكر ذلك في مجاري عاداتهم ومباني خطاباتهم؛ ومن تأمل مناظرات الباقلاني وأضرابه من أولي الحفظ الواسع والتبحر في العلم علم ذلك.
وقال الحرالي: ولما كان مضمون الكتاب دعوة الخلق إلى الحق، والتعريف بحق الحق على الخلق، وإظهار مزايا من اصطفاه الله تعالى ممن شملهم أصل الإيمان من ملائكته وأنبيائه ورسله ومن يلحق بهم من أهل ولايتهم، وإظهار شواهد ذلك منهم وإقامة الحجة بذلك على من دونهم في إلزامهم أتباعهم، وكان الضار للخلق إنما هو الشتات كان النافع لهم إنما هو الوحدة، فلما أظهر لهم تعالى مرجعهم إلى وحدة أبوة آدم عليه الصلاة والسلام في جمع الذرية ووحدة أبوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في جمع الإسلام ووحدة أحمدية محمد صلى الله عليه وسلم في جمع الدين فاتضح لهم عيب الشتات والتفرق وتحقق لهم شاهد النفع في الجمع إلى وحدات كان ذلك آية على أعظم الانتفاع بالرجوع إلى وحدة الإلهية في أمر الحق وفي إفهام ذلك وحدات ما يظن في ظاهر الوحدات الظاهرة من وحدة الروح ووحدة النفس والعقل فقال تعالى عطفًا على ما ظهر بناؤه من الوحدات الظاهرة وما أفاده إفهامها من الوحدات الباطنة: {وإلهكم إله واحد} فإذا قبح الشتات مع وحدة الأب الوالد فكيف به مع وحدة الأب المدّين! فكيف به مع وحدة النبي المكمل! فكيف به مع وحدة الإله الذي هو الرحمن الذي شمل خلقه رحمانية! الرحيم الذي اختص أولياءه وأصفياءه عناية فجمعهم بوحدته التي هي قائم كل وحدة دونه! فجميع أسمائه لها وحدة تنتهي وحدتها إلى وحدة الإله الذي انتهى إليه الإله وهو تعبد الظاهر لإلجاء المتعبد إليه في كل حاجاته وإقاماته الظاهرة والباطنة، ولا أتم من وحدة ما لا يتصوره العقل ولا يدركه الحس في علو وحدة الغيب الذي لا يبدو فيه ذات فيكون لها أو فيها كميات ولا كيفيات؛ ثم قال: وقد صح بالتجربة أن الراحة في حصبة الواحد وأن التعب في اتباع العدد لاختصاص كل واحد بقصد في التابع يتشاكس عليه لذلك حال اتباعهم، فكان أعظم دعوة إلى جمع الخلق دعوتهم إلى جمع توحيد الإلهية انتظامًا بما دعوا إليه من الاجتماعفي اسم الربوبية في قوله تعالى متقدمًا {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] فإعلاء الخطاب من رتبة الربوبية إلى رتبة هذه الدعوة بالإلهية لتعلو من هذا الحد إلى الدعوة إلى الله الأحد الذي أحديته مركوزة في كافة فطر الخلق وجبلاتهم حين لم يقع الشرك فيه بوجه وإنما وقع في رتبة الإلهية، فكان هذا أوسط الدعوة بالاجتماع في وحدة الإلهية وفي إضافة اسم الإله إليهم أتم تنزل بمقدار معقولهم من تعبدهم الذي هو تألّههم؛ ولما كان في الإلهية دعوى كثرة توهم الضلال المبين أتبع ذلك بكلمة التوحيد بناء على اسمه المضمر في باطن ظاهر الإلهية فقال تعالى: {لا إله إلا هو} ردًا على إضمار ما في الأول ولم يذكر اسمه المظهر ليكون للدعوة إليه رتبة عالية تكون هذه متوقلًا إليها، ولما كان هذا التوحيد الإلهي أمر غيب من الإله أظهره سبحانه وتعالى بمظهر الرحمانية المحيطة الشاملة والرحيمية الاختصاصية لما عند الخلق من شاهد ذلك فيما يجدونه من أثر الرحمانية في دنياهم وآثارهم وما يجدون من آثار الرحيمية في اختصاصهم المزية في تضاعف رحمته، فكان في مجموع هذه الآية أعظمية من غيب الإلهية إلى تمام اختصاص الرحيمية، فلذلك كانت هذه الآية مع آية الإحاطة في أول آل عمران الجامعة لمقابلة ما في هذه الآية من خصوص الرحيمية مع خصوص مقابلها من وصف الانتقام الظاهر عن وصف العزة الذي أبداه قوله سبحانه وتعالى: {والله عزيز ذو انتقام} [آل عمران: 4] فكانت هذه الآية لذلك مع {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [آل عمران: 1- 2] اسم الله الأعظم المحيط بالغيب والشهادة جمعًا للرحمة والنقمة في الظاهر وإحاطة عظمة في الباطن، فكان هذا الحد من علو الخطاب ابتداء رفع الخلق إلى التعلق باسم الله الأعظم الذي يرفعهم عن سفل تقيدهم بأنفسهم المحقّرة إظهارًا لمبدأ العناية بهذه الأمة الخاتمة. انتهى.

.اللغة:

{وإلهكم} الإله: المعبود بحق أو باطل، والمراد به هنا المعبود بحق وهو الله رب العالمين.
{الفلك} ما عظم من السفن وهو اسم يطلق على المفرد والجمع.
{وبث} فرق ونشر ومنه {كالفراش المبثوث}.
{دابة} الدابة في اللغة: كل ما يدب على الأرض، من إنسان وحيوان مأخوذ من الدبيب وهو المشي رويدًا وقد خصه العرف بالحيوان، ويدل على المعنى اللغوي قوله تعالى: {والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشى على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع} فجمع بين الزواحف والإنسان والحيوان.
{تصريف الرياح} الرياح: جمع ريح وهي نسيم الهواء، وتصريفها تقليبها في الجهات، ونقلها من حال إلى حال، فتهب حارة وباردة، وعاصفة ولينة، وملقحة للنبات وعقيما.
{المسخر} من التسخير وهو التذليل والتيسير.
{أندادًا} جمع ند وهو المماثل والمراد بها الأوثان والأصنام.
{الأسباب} جمع سبب وأصله الحبل، والمراد به هنا: ما يكون بين الناس من روابط كالنسب والصداقة.
{كرة} الكرة: الرجعة والعودة إلى الحالة التي كان فيها.
{حسرات} جمع حسرة وهي أشد الندم على شيء فائت، وفي التنزيل {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله}. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{لا إله إلا هو} بالمد وكذلك جميع التهليل. روى الهاشمي عن ابن كثير لورود الأثر في هذه الكلمة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله ومدها غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» وروى أبو الفرج عن قتيبة إلا هو بالإمالة حيث كان. {الريح} مفردًا: حمزة وعلي وخلفٍ. الباقون: الرياح مجموعًا.

.الوقوف:

{واحد} نظرًا إلى أن ما بعده وصف آخر. وإلى الاختلاف بالنفي والإثبات {الرحيم} o {من كل دابة} ضرورة طول الآية وإلا فاسم إن {لآيات} والجار وما يتصل به معترض، والأولى الوصل والرجوع. {يعقلون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الطبري:

واختُلِف في معنى وَحدانيته تعالى ذكره، فقال بعضهم: معنى وحدانية الله، معنى نَفي الأشباه والأمثال عنه، كما يقال: فلان واحدُ الناس- وهو وَاحد قومه، يعني بذلك أنه ليسَ له في الناس مثل، ولا له في قومه شبيه ولا نظيرٌ. فكذلك معنى قول: اللهُ واحد، يعني به: الله لا مثل له ولا نظير.
فزعموا أن الذي دلَّهم على صحة تأويلهم ذلك، أنّ قول القائل: واحد يفهم لمعان أربعة. أحدها: أن يكون واحدًا من جنس، كالإنسان الواحد من الإنس. والآخر: أن يكون غير متفرِّق، كالجزء الذي لا ينقسم. والثالث:
أن يكون معنيًّا به: المِثلُ والاتفاق، كقول القائل: هذان الشيئان واحد، يراد بذلك: أنهما متشابهان، حتى صارَا لاشتباههما في المعاني كالشيء الواحد.
والرابع: أن يكون مرادًا به نفي النظير عنه والشبيه.
قالوا: فلما كانت المعاني الثلاثةُ من معاني الواحد منتفيةً عنه، صح المعنى الرابع الذي وَصَفناه.
وقال آخرون: معنى وحدانيته تعالى ذكره، معنى انفراده من الأشياء، وانفراد الأشياء منه. قالوا: وإنما كان منفردًا وحده، لأنه غير داخل في شيء ولا داخلٌ فيه شيء. قالوا: ولا صحة لقول القائل: واحد، من جميع الأشياء إلا ذلك. وأنكر قائلو هذه المقالة المعاني الأربعةَ التي قالها الآخرون. اهـ.

.قال ابن جزي:

الواحد له ثلاثة معان كلها صحيحة في حق الله تعالى:
أحدها أنه لا ثاني له فهو نفي للعدد.
والآخر أنه لا شريك له.
والثالث أنه لا يتبعض ولا ينقسم.
وقد فسر المراد به هنا في قوله: {لا إله إلا هو}.
واعلم أن توحيد الخلق لله تعالى على ثلاث درجات:
الأولي توحيد عامة المسلمين وهو الذي يعصم النفس من الهلك في الدنيا وينجي من الخلود في النار في الآخرة، وهو نفي الشركاء والأنداد والصاحبة والأولاد والأشباه والأضداد.
الدرجة الثانية توحيد الخاصة وهو أن يرى الأفعال كلها صادرة من الله وحده ويشاهد ذلك بطريق المكاشفة لا بطريق الاستدلال الحاصل لكل مؤمن وإنما مقام الخاص في التوحيد يغني في القلب بعلم ضروري لا يحتاج إلى دليل.
وثمرة هذا العلم الانقطاع إلى الله والتوكل عليه وحده واطراح جميع الخلق فلا يرجو إلا الله ولا يخاف أحدا سواه إذ ليس يرى فاعلا إلا إياه ويرى جميع الخلق في قبضة القهر ليس بيدهم شيء من الأمر فيطرح الأسباب وينبذ الأرباب.
والدرجة الثالثة ألا يرى في الوجود إلا الله وحده فيغيب عن النظر إلى المخلوقات حتى كأنها عنده معدومة وهذا الذي تسميه الصوفية مقام الفناء بمعنى الغيبة عن الخلق حتى أنه قد يفنى عن نفسه وعن توحيده أي يغيب عن ذلك باستغراقه في مشاهدة الله. اهـ.